صدى البلد نيوز

المجالس المحلية وتعزيز اللامركزية: خطوة قادمة في مسار الإصلاح السياسي.. أ/ مصطفى الحداد المحامى



تُمثل انتخابات المجالس المحلية الاستحقاق الدستوري التالي بعد مجلس النواب، وهو استحقاق لا يقل أهمية في مسار الإصلاح السياسي والديمقراطي في مصر، إذ تعكس المجالس المحلية جوهر اللامركزية التي نص عليها الدستور، وتجعل المواطن شريكًا مباشرًا في صنع القرار على مستوى الوحدات المحلية من قرية ومدينة ومركز ومحافظة. فاللامركزية لم تعد خيارًا تنظيميًا فحسب، بل أصبحت ضرورة لتفعيل التنمية المتوازنة، وإيجاد حلول واقعية وسريعة لمشكلات المواطن اليومية، ومن هنا تأتي أهمية المجالس المحلية باعتبارها حلقة الوصل الأقرب بين الدولة والمجتمع.


ومن أبرز ملامح المرحلة القادمة أن تكون المجالس المحلية بوابة حقيقية لتمكين الشباب والمرأة وذوي الهمم، حيث نص الدستور على تخصيص نسب ملائمة من المقاعد لهذه الفئات، تأكيدًا على دورهم المحوري في صياغة المستقبل. فالشباب يمثلون القوة الحقيقية للمجتمع، والمجالس المحلية فرصة لتدريبهم على العمل العام وصناعة القرار من الميدان مباشرة. أما المرأة فهي نصف المجتمع، ومشاركتها في المحليات تمنحها مساحة عملية لتطبيق رؤيتها في قضايا التعليم والصحة والبيئة والتمكين الاقتصادي. كما أن إدماج ذوي الهمم في المجالس المحلية يجسد فلسفة الدولة في دعمهم وضمان مشاركتهم الفاعلة في الحياة العامة.


غير أن نجاح هذه التجربة مرهون بقدرة الأحزاب السياسية على القيام بدورها في إعداد وتأهيل كوادر قادرة على خوض التجربة المحلية بوعي وكفاءة. فالمجالس المحلية ليست مجرد مقاعد انتخابية، بل هي ساحة لإدارة ملفات معقدة تتعلق بالبنية التحتية والخدمات والرقابة الشعبية على الأداء التنفيذي. وهنا يتعين على الأحزاب أن تركز جهودها على إنشاء برامج تدريبية تستهدف الشباب والمرأة وذوي الهمم لتأهيلهم في ملفات الإدارة المحلية والقوانين المنظمة، وأن تغرس ثقافة العمل الجماعي وروح الفريق، إذ أن طبيعة العمل المحلي تتطلب تعاونًا مستمرًا مع مختلف الأجهزة التنفيذية والمجتمعية. كما أن رعاية القيادات الجديدة وتقديمها للناس باعتبارها وجوهًا شابة قادرة على طرح حلول واقعية هو الضمانة الحقيقية لإعادة الثقة في العمل الحزبي.


وإذا كان مجلس النواب هو الحاضنة للتشريع والرقابة على المستوى القومي، فإن المجالس المحلية تعد المدرسة الحقيقية لصناعة القيادات السياسية من القاعدة، وهي المرحلة العملية التي تكشف قدرات الشباب وتختبر جدية الأحزاب في تقديم بدائل جديدة. إن نجاح تجربة المحليات يعني أننا نسير على الطريق الصحيح نحو تعزيز الديمقراطية واللامركزية وخلق جيل جديد من الكوادر السياسية القادرة على قيادة المستقبل.


إن اللحظة الراهنة تفرض على جميع القوى السياسية أن تستعد من الآن، فالمجالس المحلية ليست مجرد محطة انتخابية، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الأحزاب على صناعة قيادات جديدة، ولقدرة الشباب على إثبات جدارتهم في العمل العام، ولإصرار المرأة وذوي الهمم على المشاركة الفاعلة في صناعة القرار. إنها فرصة لا يجب إهدارها، وخطوة مصيرية على طريق بناء الجمهورية الجديدة.

أحدث أقدم
صدى البلد نيوز
صدى البلد نيوز