د.مروة الليثي #دليلك للطمأنينة
في اللحظة التي يبدو فيها العالم طبيعيًا للآخرين، يعيش مريض الوسواس القهري معركة يومية لا يراها أحد. معركة تبدأ من فكرة صغيرة… ثم تتحول إلى خوف، ثم سلوك قهري يلتهم وقته وراحته، وكأن العقل يُمسك بزمام السيطرة ويعيد تشغيل نفس الفكرة مئات المرات.
ما هو الوسواس القهري؟
الوسواس القهري (OCD) هو اضطراب نفسي يتكوّن من:
أفكار ملحّة ومتكررة يكرهها الشخص ويحاول مقاومتها.
سلوكيات قهرية يقوم بها حتى يخفّ القلق… لكن الراحة تكون مؤقتة جدًا.
دائرة مغلقة من القلق → الوسواس → الفعل القهري → راحة مؤقتة → عودة الوسواس.
هو ليس “تفكير كتير” ولا “شوية قلق”، بل اضطراب حقيقي يُرهق صاحبه ويستنزف طاقته.
كيف يبدأ؟
أغلب المرضى يعرفون جيدًا أن مخاوفهم غير منطقية…
ومع ذلك، يجدون أنفسهم أسرى لها.
مريض يخاف من التلوث فيغسل يده عشرات المرات.
آخر يشكّ في إغلاق الباب فيعود ليتأكد خمس مرات.
وثالث يخاف من فكرة قد تجرحه أو تجرح الآخرين رغم أنه لن يفعلها أبدًا.
إنها ليست رغبات… بل أفكار قهرية لا تعبّر عن شخصية المريض ولا أخلاقه.
ما الذي يشعر به المريض حقًا؟
ضغط داخلي لا يهدأ
خوف من فقدان السيطرة
رغبة في الهروب من الفكرة بأي طريقة
إحساس بالذنب لأنه “مش قادر يوقف دماغه”
إحراج من الاعتراف لأنه يخاف من نظرة الناس له
ولهذا كثير من المرضى يعانون في صمت، ويظلون سنوات قبل أن يطلبوا المساعدة.
أسبابه
لا يوجد سبب واحد، بل مزيج من:
اختلال في كيمياء الدماغ (خاصة مادة السيروتونين)
عوامل وراثية
تجارب ضاغطة
شخصية تميل للكمالية والخوف من الخطأ
هل يمكن علاجه؟
نعم… وبنسبة نجاح كبيرة.
أكثر طريقتين فعالتين هما:
1) العلاج المعرفي السلوكي (CBT)
وبالتحديد:
علاج التعرض ومنع الاستجابة (ERP)
وهو يجعل المريض يواجه الفكرة دون الهروب للسلوك القهري…
فيتعلم عقله تدريجيًا أن القلق ينخفض من تلقاء نفسه.
2) العلاج الدوائي
غالبًا من مضادات الاكتئاب التي ترفع السيروتونين بجرعات معينة يحددها الطبيب.
الاثنان معًا يعطون أفضل نتيجة.
كيف ندعم المصابين؟
لا نقلل من معاناتهم
لا نقول لهم “كبر دماغك” أو “أنت بتفكر كتير”
نساعدهم يفهموا أن الوسواس مرض له علاج
نشجعهم يروحوا لمعالج مختص
**خاتمة
بين الفكرة والسلوك… هناك حياة تنتظر أن تُستعاد** الوسواس القهري قد يبدو كدوامة لا نهاية لها، لكنه ليس حكمًا مؤبدًا.
العلاج يعيد للعقل هدوءه، وللقلب اتزانه، وللمريض حريته.
وما بين الألم والصمت، هناك دائمًا فرصة ليبدأ الشخص رحلة جديدة…
رحلة يكون فيها هو من يختار، لا الوسواس.
❤.
