صدى البلد نيوز

“حين تهتم بنفسك… تتغيّر خريطة العلاقات من حولك”**



بقلم ✍ د.مروة الليثي #دليلك الطمأنينة 

هناك لحظة فارقة في حياة كل إنسان، تبدو بسيطة من الخارج لكنها تهز داخله بالكامل:

لحظة يقرر فيها أن يلتفت لنفسه، بعد سنوات طويلة من الالتفات للآخرين.

اللحظة التي يقول فيها: “أنا أيضًا أستحق وقتًا… مساحة… اهتمامًا… حدودًا.”

ومن هنا يبدأ التغيير الحقيقي—ليس في داخله فقط، بل في دوائر علاقاته كلها.

العلاقات المستنزِفة لا تسقط لأنك رفضتها… بل لأنها لم تعُد تجد ما تقتات عليه.

هناك نوع من العلاقات لا يظهر أنه مؤذٍ إلا حين تتوقف عن التضحية.

طوال الوقت الذي كنت فيه الشخص المتاح دائمًا، المستمع دائمًا، المنقذ دائمًا…

كانت هذه العلاقات تبدو طبيعية، بل وضرورية.

لكن مع أول خطوة نحو الاهتمام بنفسك، يبدأ كل شيء في الانكشاف.

لماذا يحدث ذلك؟

لأن بعض العلاقات كانت قائمة على شيء واحد:

أن تكون أنت آخر أولوياتك.

فحين تقرر أن تضع نفسك في مكانها الصحيح، يفقد بعض الناس امتيازًا اعتادوا عليه:

امتياز الوصول إلى وقتك، وجهدك، وصبرك، دون مقابل.

هؤلاء الأشخاص لا يغضبون لأنك تغيّرت…

بل يغضبون لأن مكاسبهم هي التي تغيّرت.

الاهتمام بالنفس ليس رفاهية… بل مؤشر على نضج نفسي.

علم النفس يؤكد أن الإنسان الذي يهتم بنفسه لا يفعل ذلك لأنه أناني،

بل لأنه أدرك أخيرًا أن “الإهمال الذاتي” ليس بطولة، وأن “التحمّل بلا حدود” ليس شهادة أخلاق.

الإنسان المتوازن يعرف كيف يوزّع طاقته، وكيف يحمي روحه، وكيف يخلق حدودًا صحية.

وحين يضع الإنسان حدودًا جديدة، تبدأ دائرة علاقاته في إعادة التشكل تلقائيًا:

أشخاص يقدّرونه… فيقتربون.

أشخاص يستنزفونه… فيبتعدون.

أشخاص لم يكونوا يحبّونه… بل يحبّون خدماته.

وأشخاص يظهرون لأول مرة لأنك صرت أكثر وضوحًا مع نفسك.

الحدود ليست جدرانًا… بل بوابات.

حين تقول “لا”، ليس هدفك أن تُبعد العالم، بل أن تُقرب الصحيح منه.

الاهتمام بالنفس يخلق نوعًا من الغربلة الطبيعية:

العلاقات التي كانت قائمة على استغلال عاطفي أو نفسي أو طاقي،

لا تستطيع أن تستمر حين يتحوّل الإنسان إلى نسخة واعية من ذاته.

ليس لأنك صرت قاسيًا…

بل لأنهم اعتادوا الاقتراب من النسخة المرهقة منك،

ولم يعرفوا كيف يتعاملون مع النسخة الصحيّة.

مَن يغضب من اهتمامك بنفسك… كان يستفيد من إهمالك لها.

هذه الحقيقة صادمة… لكنها محرَّرة.

حين تهتم بنفسك وتلاحظ من يتضايق، فأنت لا تخسر علاقات…

أنت تكشفها فقط.

الشخص الذي يحبك حقًا يرى اهتمامك بنفسك جزءًا من نموك.

أما الشخص الذي يضيق ذرعًا بتغيرك، فهو لم يحبك أصلًا…

بل أحب الدور الذي كنت تلعبه: دور المنقذ، أو المتاح دائمًا، أو الصامت.

ثق أن خسارة العلاقات الخاطئة… مكسب نفسي ضخم.

في كثير من الأحيان، كنت تتمنى أن يبقى الجميع حولك،

لكن حين تعيش تجربة الاهتمام بالنفس، تكتشف أن بعض المسافات شفاء،

وبعض الانسحابات حماية،

وبعض الانتهاء كان يجب أن يحدث منذ سنوات.

إعادة ترتيب الدائرة حولك ليست خسارة…

بل علامة على أنك أخيرًا رتبت الدائرة داخلك.

وفي النهاية…

حين تهتم بنفسك، يتغير كل شيء:

يتغيّر مزاجك، نظرتك، اختياراتك، وحتى صوتك الداخلي.

يتغيّر معنى الحب عندك،

ومعنى الصداقة،

ومعنى “مَن يستحق أن يبقى”.

فالاهتمام بالنفس ليس تمرّدًا على أحد،

بل هو مصالحة عميقة مع روحك…

وصوت حقيقي يقول:

“لن أعيش مستنزَفًا مرة أخرى.”


أحدث أقدم
صدى البلد نيوز
صدى البلد نيوز