د. منار عبد الحميد رجاء السواح
مدرس علم النفس بقسم تربية الطفل – كلية البنات للآداب والعلوم والتربية – جامعة عين شمس
عضو لجنة دعم المشروع القومي لمحو الأمية وتعليم الكبار
CCE – ICF
متحدث تحفيزي – لايف كوتش معتمد
الصمت… ذلك الصوت الخفي
بين ضجيج الحياة وصخب الكلمات تُولد لغة مختلفة؛ لغة لا تُقال لكنها تُسمَع.
الصمت ليس فراغًا، بل عالمًا موازيًا تسبح فيه الأرواح بلا دليل.
في حضرة الصمت تتشكل الحقائق وتنكشف العوالم، وحين تنصت الروح لهمساتها يصبح الصمت بحرًا هادئًا تخبئ أعماقه كنوزًا من الحكمة.
لكن حين يتحول هذا الصمت إلى عتاب أو هروب من المواجهة، نقف أمام سؤال مهم:
لماذا يصبح “الصمت الذي يصرخ” تناقضًا مؤلمًا وشكلًا من أشكال العنف العاطفي؟
لأنه يمس أعمق مخاوف الإنسان، ويخلق جدارًا خفيًا يمنع التواصل ويهدد استمرارية العلاقات.
أنواع الصمت الصحي
1. صمت لتهدئة التوتر
يستخدم لخفض الانفعال وضبط الأعصاب بدلًا من ردات الفعل العنيفة.
2. صمت يعزز الاستماع الفعّال
يسمح بفهم الطرف الآخر بعمق أكبر.
3. صمت يمنح هيبة واحترامًا
حين نعرف متى نتكلم ومتى نصمت يصبح للصمت وزنه ومعناه.
4. الصمت كأداة للتواصل غير المباشر
أحيانًا يحمل رسائل أقوى من الكلمات.
هذا النوع من الصمت يفتح مساحات وعي جديدة ويساعد في تحويل المواقف الصعبة إلى فرص للنمو.
الصمت العقابي… حين يصبح الصمت سلاحًا
الصمت العقابي هو امتناع متعمد عن الكلام أو التفاعل بهدف العقاب أو السيطرة أو الإيذاء النفسي.
وقد يظهر في العلاقات الزوجية، العائلية، الصداقات أو العمل.
لماذا يلجأ البعض للصمت العقابي؟
نقص مهارات التواصل الصحي.
عدم القدرة على التعبير عن الغضب بطريقة مناسبة.
الشعور بالعجز أو فقدان السيطرة.
الخوف من المواجهة نتيجة تربية خاطئة أو تجارب مؤلمة.
نمط التعلق المتجنب الذي ينشأ في الطفولة.
التلاعب العاطفي emotional manipulation.
استخدامه كعقاب غير مباشر بدلًا من التعبير الصريح.
آثار الصمت العقابي على الطرف المتلقي
ألم نفسي حقيقي أظهرته دراسات التصوير العصبي.
الشعور بالتبعية وانعدام القيمة.
قلق واكتئاب وتوتر دائم.
انخفاض تقدير الذات والشعور بعدم الاستحقاق.
تدمير الثقة والأمان العاطفي.
تحويل العلاقة إلى ساحة حرب باردة.
خلق حلقة مفرغة: الصمت يولد غضبًا والغضب يولد مزيدًا من الصمت.
لهذا يُصنّف الصمت العقابي كعنف نفسي لأنه:
1. متكرر وليس حادثًا عارضًا.
2. يسبب ألمًا شديدًا.
3. يهدر الإنسانية.
4. يهدف للسيطرة والتسلط.
كيف نتعامل مع الصمت العقابي؟
1. فهم الموقف: الهدف هو إرباكك… فلا تمنح هذه القوة.
2. لا تُلاحق الطرف الصامت: لا توسّل ولا اعتذارات بلا سبب.
3. وضع حدود واضحة:
"عندما تكون مستعدًا للتحدث باحترام لحل المشكلة سأكون هنا… لكن الصمت ليس حلًا."
4. التركيز على حياتك: اهتم بنفسك وهواياتك ودوائرك الاجتماعية.
5. اقتراح قواعد للتواصل عند عودة الحوار.
6. طلب المساعدة المهنية عند تكرار السلوك.
7. حماية سلامتك النفسية وإعادة تقييم استمرار العلاقة.
ماذا لو كنت أنت من يمارس الصمت العقابي؟
1. الاعتراف بالمشكلة.
2. تدريب النفس على التعبير بجملة: "أنا أشعر…" بدلًا من الاتهام.
3. منح النفس فرصة للتهدئة قبل النقاش:
"أنا غاضب الآن… أحتاج ساعة للهدوء ثم نكمل الحديث."
4. طلب مساعدة مختص لفهم جذور السلوك وتعلم طرق تواصل صحية.
ختامًا
ليس كل صمت هروبًا، وليس كل تجاهل ضعفًا.
أحيانًا يكون الصمت موقفًا شامخًا، والتجاهل حكمة تُمارس لحماية الذات.
لكن…
حين يتحول الصمت إلى وسيلة للسيطرة أو الإيذاء، يصبح أقوى أشكال الردود المدمرة دون أن يُنطق بحرف واحد.
الوسوم:
منوعات
