د.مروة الليثي#دليلك للطمأنينة
في زمن يمتلئ بالضغوط العائلية والتحديات النفسية، تظل قصص التعافي من الطفولة القاسية مصدر إلهام يعيد للإنسان ثقته بقدرته على البدء من جديد. ليست كل الحكايات عن الألم حزينة؛ فبعضها يبزغ منه نورٌ يغيّر صاحبه إلى الأبد. من بين تلك الحكايات، تبرز قصة "مريم"، التي قررت أن تُنقذ نفسها من ميراثٍ مثقل بالأوجاع، لتخرج من طفولتها لا كضحية، بل كقوة جديدة.
المتن
لم تكن سنوات مريم الأولى سهلة. نشأت في بيتٍ عالِ الصوت، قليل الحنان، بين أم مثقلة بمخاوفها، وأسرة لا تعرف من التعبير إلا النقد واللوم. كبرت وهي تحمل في داخلها أسئلة بلا إجابات، وجرحًا بلا صوت.
لكن رغم كل ذلك، كان داخل قلبها ضوء لم يُطفأ. شعور خافت يخبرها بأن الحياة يمكن أن تكون أفضل، وأن الطفلة التي تُسكِتها كل يوم، تستحق أن تُسمَع.
مرت السنوات، وكبرت الطفلة الخائفة، ونمت معها القدرة على ملاحظة الحقيقة. وفي لحظة فاصلة، وقفت مريم أمام المرآة، تُحدّق في ملامحها التي لم تعد تشبه ضعف الأمس. رأت امرأة تتشكل من جديد… امرأة مستعدة لتقول:
"سأنقذ نفسي، ولو تأخّر العالم كله."
بدأت مريم رحلة التعافي بوعيٍ نادر. لم تهرب من الماضي، بل درست آلامه. فهمت جذور القسوة التي تلقّتها، وأدركت أن ما حدث لها ليس تعريفًا لقيمتها، بل جزء من تكوينها، يمكن تحويله إلى قوة.
تعلمت أن تقول "لا" دون خوف، وأن تحيط نفسها بمن يشبهون الضوء، وأن تمنح قلبها ما حُرمت منه طويلًا: الأمان، والدعم، والتقدير.
وبعد سنوات من العمل على ذاتها، عادت لتقف أمام أمها، لا كطفلة مجروحة، بل كامرأة ناضجة اختارت أن تُنهي الحكاية بسلام. لم تبرر لها الماضي، لكنها سامحتها كي لا تبقى سجينة ألمٍ قديم.
خاتمة
اليوم، تتحدث مريم عن طفولتها ليس كحكاية مأساوية، بل كرحلة صعود. لم تكن النجاة هدفها الوحيد؛ بل التحول. صنعت من جروحها سلمًا، ومن ضعفها قوة، ومن قصتها رسالة.
قصة مريم ليست مجرد حكاية فتاة خرجت من الظلام إلى الضوء…
إنها تذكيرٌ بأن داخل كل واحدٍ منا طفلةً تخاف، لكنها تنتظر اللحظة التي نمدّ لها فيها يدًا، لننهض معها معًا.
