نقول دائمًا إن العقل هو حصن الإنسان، لكنه قد يتحول في لحظات معينة إلى خصم شرس.
هناك أوقات لا يكون الخطر من الخارج، بل من الداخل؛ من الأفكار التي تتسلل في صمت، تكبر وتتضخم حتى تصبح تهديدًا مباشرًا لراحة الإنسان واستقراره النفسي.
هذه ليست مبالغة، بل حقيقة يعاني منها ملايين الناس حول العالم: اضطرابات التفكير.
ما هي اضطرابات التفكير؟
هي مجموعة من الأنماط الذهنية غير المنطقية التي تجعل الشخص يرى العالم من خلال “عدسة مشوهة”.
الفكرة هنا لا تكون مجرد قلق عابر أو خوف بسيط، بل فكرة مُلحّة، متكررة، مزعجة، وغالبًا غير واقعية… لكنها تتحكم في مشاعر الإنسان وسلوكه.
بمعنى آخر:
العقل بيصدق حاجة مش حقيقية… وبيتصرف على أساسها.
أبرز اضطرابات التفكير التي نواجهها يوميًا
1. التفكير الكارثي (Catastrophizing)
هو أن يتوقع الشخص أسوأ سيناريو ممكن، حتى وإن كان احتمال حدوثه ضعيفًا جدًا.
مثال:
تبدأ نوبة صداع خفيفة… فيسيطر على الشخص اعتقاد بأنها “ورم خطير”.
2. التعميم المفرط (Overgeneralization)
خطأ واحد يساوي “فشل كامل”.
نقد بسيط من شخص يتحول في العقل إلى “الناس كلها شايفاني فاشل”.
3. قراءة الأفكار (Mind Reading)
الشخص يعتقد أنه يعرف ما يفكر به الآخرون دون دليل.
“أكيد هما بيضحكوا عليَّ… أكيد شايفني قليل.”
4. التهويل والتهوين (Magnification & Minimization)
مشكلة صغيرة تتحول إلى أزمة كبيرة، أو إنجاز مهم يُقلَّل من قيمته.
العقل هنا يعجز عن رؤية الأشياء بحجمها الطبيعي.
5. التفكير الأبيض أو الأسود (All-or-Nothing Thinking)
يا كامل… يا صفر.
يا نجاح مطلق… يا فشل مطلق.
ولا مساحة للوسط.
6. الشخصنة (Personalization)
الشخص يفسر أي موقف على أنه موجه له شخصيًا.
صمت صديق يتحول فورًا إلى “زعلان مني”.
7. الشعور بالتهديد الدائم (Paranoia)
أفكار متكررة بأن هناك من يراقب، يكره، أو يريد الإيذاء… رغم عدم وجود دليل واقعي.
لماذا تحدث اضطرابات التفكير؟
الأسباب متعددة وقد تتداخل:
ضغوط نفسية مزمنة
صدمات الطفولة
قلق عام أو اكتئاب
نقص مهارات تنظيم المشاعر
تجارب سلبية متكررة
أو ببساطة… عقول تتعب مثلما تتعب أجسامنا
كيف يدمر اضطراب التفكير حياة الشخص؟
لأن الفكرة تخلق شعورًا، والشعور يصنع سلوكًا.
فكرة خاطئة = خوف
الخوف = تجنب
التجنب = عزلة
العزلة = قلق واكتئاب أكبر
وهكذا يدخل الشخص دائرة مغلقة.
كيف يمكننا مواجهة “العقل العدو”؟
1. ملاحظة الفكرة وليس تصديقها
اسأل نفسك:
“هل هذه حقيقة فعلًا… ولا مجرد شعور؟”
2. كتابة الأفكار المقلقة وتحليلها
الورق يكشف التشوهات بوضوح.
3. العلاج المعرفي السلوكي (CBT)
هو أقوى علاج لإعادة تدريب العقل على التفكير الواقعي.
4. تهدئة الجهاز العصبي
التنفس، التأمل، النوم المنتظم.
5. عدم اتخاذ قرارات في لحظات الانفعال
لأن القرار تحت تأثير فكرة مشوهة غالبًا يكون كارثيًا.
العقل قد يتحول عدوًا… لكنه يمكن أن يعود صديقًا
اضطرابات التفكير ليست جُنُونًا، ولا ضعفًا، ولا عيبًا.
هي “أخطاء ذهنية” قابلة تمامًا للعلاج إذا اعترفنا بها وواجهناها بوعي.
والتغيير يبدأ بفكرة… وبمعالج يساعدك تشوف الحقيقة بوضوح أكبر.
