صدى البلد نيوز

القلق الوجودي… أسئلة معلّقة في حياة كل إنسان

د.مروة الليثي #دلليلك الطمأنينة 

في زحام الحياة اليومية، وفي منتصف الركض خلف العمل والعلاقات والالتزامات، يظهر فجأة ذلك السؤال العميق الذي يقطع الضوضاء: من أنا؟ ولماذا أعيش؟ وإلى أين أمضي؟

إنها الأسئلة الوجودية التي تطرق أبواب العقل بلا استئذان، لتوقظ داخلنا مشاعر تتراوح بين الحيرة والبحث والخوف من المجهول.

القلق الوجودي ليس مرضًا نفسيًا، بل تجربة إنسانية يعيشها كل من يفكر في جوهر ذاته ومعنى وجوده. إنه لحظة صادقة يتعرّى فيها الإنسان أمام نفسه، ويتساءل: هل يعيش حياته التي يريدها، أم يؤدي دورًا فُرض عليه؟

ما هو القلق الوجودي؟

القلق الوجودي هو حالة من الاضطراب الداخلي تنشأ حين يواجه الإنسان أسئلة جوهرية عن ذاته وقدره ومستقبله، وهي أسئلة لا تملك إجابات قطعية.

إنه ليس خوفًا من حدث محدد، بل من المجهول ذاته؛ من الفراغ الممتد أمام الإنسان، ومن مسؤولية أن يصنع هو معنى لحياته.

يرى علماء النفس الوجوديون أن هذا القلق دليل على يقظة الروح ووعي الإنسان بأن وجوده يتجاوز الروتين اليومي.

لماذا يظهر القلق الوجودي؟

هناك لحظات معينة تصبح فيها الأسئلة الوجودية أكثر حضورًا، ومن أبرزها:

تغيّرات حياتية كبيرة مثل الانفصال، فقدان شخص عزيز، أو انتقال إلى مرحلة جديدة.

الوصول إلى محطات عمرية مفصلية تدفع الإنسان إلى إعادة تقييم ما مضى وما هو قادم.

الشعور بالفراغ الداخلي رغم تحقيق النجاحات.

التعرض لمواقف توقظ الوعي أو تكشف هشاشة الحياة.

في هذه اللحظات، ينفتح العقل على مساحة داخلية أعمق، فيبدأ البحث عن معنى أوسع من المهام اليومية المتكررة.

هل القلق الوجودي أمر سلبي؟

لا يعدّ القلق الوجودي أمرًا سلبيًا بالضرورة، ففي كثير من الأحيان يمثل نقطة تحول تدفع الإنسان نحو النمو وإعادة اكتشاف نفسه.

إنه بمثابة إشارة داخلية تدعو الإنسان إلى التوقف قليلًا ومراجعة مساره، وإلى التفكير فيما إذا كانت حياته متسقة مع قيمه ورغباته الحقيقية.

كيف يمكن التعامل مع القلق الوجودي؟

1. تقبّل الأسئلة بدل الهروب منها

مواجهة الأسئلة تجعلها أوضح وأقل حدة، بينما يزيد الهروب منها شعورًا بالضياع.

2. التركيز على الحاضر

بدل البحث عن معنى شامل للحياة، يمكن التركيز على ما يجعل اليوم الواحد أكثر قيمة. فالمعنى الكبير يتشكل من خطوات صغيرة.

3. كتابة الأفكار بوضوح

الكتابة وسيلة فعالة لتنظيم الأفكار وفهم جذور القلق، إذ تنقل المشاعر من داخل العقل إلى مساحة واضحة.

4. بناء علاقات صحية

الإنسان يستمد المعنى من علاقاته. العلاقات الداعمة تمنح إحساسًا بالثبات، بينما العلاقات المرهقة تزيد القلق.

5. الاستعانة بمختص نفسي عند الحاجة

قد تساعد الجلسات العلاجية في وضع الأسئلة في سياقها الصحيح وتقديم أدوات للتعامل معها.

خاتمة

القلق الوجودي جزء أصيل من التجربة الإنسانية، ودليل على أن الإنسان يبحث عن حياة ذات معنى، لا مجرد حياة تُعاش بالعادة.

ليست المشكلة في وجود الأسئلة، بل في تجاهلها.

وليس المطلوب العثور على كل الإجابات، بل امتلاك الشجاعة لبدء رحلة البحث، والسعي إلى حياة يكون فيها الإنسان حاضرًا ومتصالحًا مع ذاته.


أحدث أقدم
صدى البلد نيوز
صدى البلد نيوز