صدى البلد نيوز

ورد وشوكولاتة… مروة وصلاح: طفولتان موجوعتان تصنعان مأساة الزواج

 

بقلم✍د.مروة الليثي #دليلك للطمأنينة 

في مسلسل «ورد وشوكولاتة» لا نجد مجرد قصة حب بل نقرأ خريطة جراح: جرحان ساقتهما طفولتان قاسيتان إلى علاقة مُشظّاة انتهت بعنف ومأساة. مروة وصلاح ليسا مجرد شخصين يتعاركان على مشاعر — هما نموذج لِما تفعله الصدمات الطفولية حين تُترك دون شفاء.

صلاح: طفل مُهان داخل جسد رجل ناجح

صلاح لم ينشأ في بيئة طبيعية: الأب كان يمارس عليه إهانات نفسية متكررة وضربًا جسديًا قاسٍ، ومع ذلك كان متوقعًا منه أن ينجح ويصنع صورة «الرجل القوي». هذه المعادلة — إهانة + مطلب نجاح — أنتجت لديه:

عقدة ذنب وخوف من الفشل.

غضب مكبوت يتحول لعدوان عند ملامسة أي ضعف داخلي.

خوف من الظهور بضعف أمام الناس لأن الضعف يعني الإهانة والتراجع.

رفض أن يُعرف تاريخه أو تُكشف هشاشته، فالشهرة والمكانة كانت درعه.

لهذا السبب، إعلان زواجه من مروة أو تقبّل مسؤولية علنية — كالأبوة مرة أخرى — لم يكن مسألة اجتماعية فقط، بل تهديد لوجوده المهني والشخصي؛ اعتراف يساوي «السقوط» في نظر والده والمجتمع الذي صنع صورته.

هذه الخلفية تقترب في مظاهرها من ما يصفه الأطباء النفسيون بـ إصابات نفسية مبكرة وC-PTSD: آثار طويلة الأمد للصدمات المتكررة في الطفولة تظهر كغضب، انغلاق عاطفي، وصعوبة تنظيم الانفعالات.

مروة: قوة سطحيّة وخوف متوارٍ من الأم

مروة تربّت في بيت أم مُتحكِّم، نقد دائم، وتحكّم في تفاصيل حياتها. مروة بنت صورة "قوية" لأنها لم تملك مساحة لتظهر ضعفها، لكنها داخليًا تحمل:

حساسية تجاه التحكم والقيود.

ميل للحذر من أي علاقة تشبه سيطرة والدتها.

رغبة قوية في الحماية والقبول.

لذا رفضت الرجوع لزواج سابق رغم المحاولات، ولم تكن سهلة الانقياد لأي رجل — إلا أن صلاح كان مختلفًا: هشّ من الداخل، وكان لديها إحساس أنه لا يقدّرها كما تستحق، لكن أيضًا أنه أوجد لديها مساحة للظهور كإنسانة تحتاج.

الزواج: تصادم جروح وتفجير عنيف

الزواج بين مروة وصلاح جمع جرحين:

صلاح أخفى ماضيه ونجاحه الموروث من صورة «الرجل الناجح» التي بنيت فوق جراحه.

مروة دخلت العلاقة وهي تأمل في أمان مختلف، لكن وجود حملها كشف ضعف صلاح أمام واقع الأبوة والمسؤولية.

عندما علم صلاح بحمل مروة حدث ما كان يخشاه: خبر يُعلن ارتباطًا دائمًا ومسؤولية تجعل من الصعب الاستمرار في دور الرجل «المنفصل» الذي لا يُظهر ضعفه. الخوف تحول لغضب، والغضب إلى عنف جسدي ومعنوي ضد مروة. هذا العنف لم يكن مجرد فقدان السيطرة للحظات؛ هو انفجار لصراع داخلي طويل: بين صورة الابن المهان وصورة الرجل الناضج المتوقعة منه.

مروة ردّت بالتمسّك والتهديد — محاولة للحفاظ على حقها وكرامتها — ما زاد التوتر بدوره. حلقة مفرغة من خوف، هروب، تمسّك، وإصرار انتهت بكارثة: مقتل مروة. الفعل الدموي هنا ليس تجربة عبثية بل تتويج لمسار صعودي من اضطهاد الطفولة إلى تفكك الناضج.

الأبعاد الدرامية والنفسية للمسلسل

إعادة تمثيل الطفولة (Repetition Compulsion): كلا الطرفين يعيدان تمثيل علاقاتهما الأولى داخل الزواج: صلاح يعيد صورة الابن المُهان، ومروة تعيد مواجهة تحكم الأم.

التصادم بين الصورة والهوية: نجاح صلاح الاجتماعي مبني على قناع صنعه لتجاهل ألمه؛ كشف هذا القناع (بالحمل والإعلان) أدى لسقوط هويته المزيفة وتحويل الخجل إلى عنف.

العنف كلغة غير مُعلنة للندم والخوف: العنف ليس تفسيرًا لتبرير الجُرم، لكنه نتيجة ديناميكية نفسية حيث لا يجد الجريح مخرجًا للغضب إلا في السيطرة على من حوله.

الدراما الاجتماعية: الصراع هنا ليس فرديًا فقط؛ المسلسل يعكس نظرة المجتمع للنجاح، دور الزوجة «التي تظل خلف الرجل»، وكيف يمكن أن تتحول الشكوك الاجتماعية إلى معايير تقتل العلاقة.

النتيجة المأساوية كرسالة تحذيرية: النهاية تقول إن تجاهل الصدمات وعدم العلاج الشخصي لا يدمر الفرد فحسب، بل يدمر من حوله — الزوج، الأسرة، والأبرياء.

خاتمة مُرشّدة للقراء

«ورد وشوكولاتة» يقدّم درسًا صارخًا: الشفاء النفسي ليس خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة اجتماعية. صلاح لم يولَد جلادًا، ومروة لم تولد ضحية — كلاهما حصيلة أطفال لم يجدوا من يعلمهم كيف يحبّوا ويُحبّون بأمان. نهاية المسلسل لا تُبرئ أحدًا، لكنها تضع الإصبع على جرح: إذا لم نواجه ماضينا، فسيدفع ثمن ذلك من حولنا

أحدث أقدم
صدى البلد نيوز
صدى البلد نيوز