صدى البلد نيوز

حوار شامل مع الأديب محمد أبوالخير ستو: بين التاريخ والواقع والخيال… كاتب ينسج الإنسان في كل عوالمه

 حوار شامل مع الأديب محمد أبوالخير ستو: بين التاريخ والواقع والخيال… كاتب ينسج الإنسان في كل عوالمه

بين أروقة المعارض الدولية ودهاليز إبداعه الأدبي، يواصل القاص والروائي محمد أبوالخير ستو رسم مسارٍ متفرّدٍ في المشهد الأدبي المصري، مقدّمًا أعمالًا تتنوّع بين الرواية والقصة القصيرة والبحث التاريخي، في قوالبٍ تمتزج فيها الفانتازيا والرومانسية والواقعية والأدب البوليسي.

وبعد مشاركته الأخيرة في معارض الكتاب بلندن والسويد وبغداد وعمّان، كان لنا معه هذا الحوار، لنستكشف رؤيته الإبداعية ونتعرّف على أحدث مشروعاته الأدبية.

➖ أستاذ محمد، شاركت مؤخرًا في معرضي بغداد وعمّان الدوليين للكتاب، مقدمًا رواية «ارتياب في المعادي»، والدراسة التاريخية «تاريخ غير قابل للكسر»، إلى جانب المجموعة القصصية «سبت يوليو الماضي» في معرض بغداد... كيف تقيم هذا الحضور؟

✍🏻 المشاركة في هذين المعرضين كانت تجربة ثرية على أكثر من مستوى، ليس فقط من حيث التواصل مع القارئ العربي، بل أيضًا بوصفها مساحة لاختبار تنوّع مشروعي الأدبي... فرواية «ارتياب في المعادي» تكشف الصراع بين الهواجس المرضية والاتزان العقلي، في رحلةٍ تستقصي حدود العقل والجنون... أما الدراسة التاريخية «تاريخ غير قابل للكسر»، فهي رحلة لكشف الطبقات الخفية من الذاكرة التاريخية، وإبراز ما غيّبته القراءات السطحية أو المتحيّزة، في سردٍ يعيد للتاريخ نبرته الصادقة وعمقه الإنساني... بينما تأتي المجموعة القصصية «سبت يوليو الماضي» لتقدّم الجانب الإنساني اليومي للإنسان المصري في أكثر صوره عفويةً وصدقًا، معبّرةً عن تفاصيل المجتمع بنبضه الحي وتناقضاته الإنسانية.

➖ هل هذا التنوع في الكتابة مقصود ومخطط له منذ البداية؟

✍🏻 بالتأكيد، فهذا التنوع يعكس رؤية شاملة أتبنّاها منذ بداياتي، تقوم على المزج بين الخيال بأطيافه المتعددة، والواقع بصدقه، والتاريخ بصحته، في توازن يجمع بين الحسّ الفني والتحليل الدقيق. وأسعى من خلالها إلى تقديم تجارب أدبية غنية ومتنوّعة تُمتعني أثناء الكتابة، وتلبي في الوقت نفسه مختلف الأذواق.

وكيف تابعت صدى تفاعل القرّاء والنقّاد مع أعمالك التي شاركت في معارض العراق والأردن؟

 كان التفاعل مشجعًا للغاية، إذ وجدت اهتمامًا حقيقيًا من القرّاء والنقّاد في العراق والأردن بالأدب المصري المعاصر، وحرصًا على متابعة أعمال الكتّاب المصريين، وقد أكّد ذلك لي أن الأعمال التي تمزج بين السرد الأدبي والمعرفة قادرة على ترك أثر واضح، وأن للأدب المصري حضورًا متجددًا ومؤثرًا في المشهد الثقافي العربي.

➖ مجموعتك القصصية «ابنة رئيس» شاركت في معارض دولية مثل لندن والسويد... ماذا يعني لك هذا الحضور العالمي؟

✍🏻 المشاركة في هذه المعارض تؤكد قدرة الأدب المصري على العبور إلى القارئ الدولي، وإبراز ما يتميّز به من تنوّع ثقافي وثراء فني، فالمجموعة القصصية «ابنة رئيس» لم تقتصر على تقديم التجربة الإنسانية والعاطفية في المجتمع المصري، بل تواصلت مع قرّاء من خلفيات وثقافات متنوّعة، بما يعكس قدرة القصة المصرية على مخاطبة القارئ العربي والدولي معًا... وتؤكد هذه التجربة أن الأعمال التي تجمع بين الصدق الفني والعمق الإنساني قادرة على ترك أثرٍ دائمٍ يتجاوز الحدود، وأن الكتابة المصرية ما زالت تحتفظ بمكانتها المميّزة على الساحة الأدبية العالمية.

➖ أعمالك تتنوّع بين الرواية والقصة القصيرة والبحث التاريخي.. ما الذي يحفّزك على التنقّل بين هذه الأنواع الأدبية المختلفة؟

✍🏻 كل فكرة أدبية تفرض شكلها الخاص، فبعض الأفكار تحتاج إلى اتساع السرد الروائي لبناء عالمٍ كاملٍ من الشخصيات والأحداث، وأخرى تجد تعبيرها الأنسب في القصة القصيرة بتركيزها وكثافتها، بينما تتطلّب موضوعات محددة دقّة البحث التاريخي وعمقه.

على سبيل المثال، اعتمدت مجموعتي القصصية «سبت يوليو الماضي» على لقطات واقعية ترصد تفاصيل الحياة اليومية، في حين وجدت أن «ارتياب في المعادي» تحتاج إلى مساحة الرواية لبناء عالم نفسي متشابك ومعقّد... وهكذا أمضي في جميع كتاباتي، أترك الفكرة هي التي تختار شكلها.

هذا التنوع يمنحني حريةً أوسع في التعبير عن كل فكرة بأفضل صورة ممكنة، ويضيف ثراءً لمسيرتي الأدبية التي أستمتع بخوضها وتجربتها، فيما أراه ممتعًا لي أولًا ومناسبًا لجمهور القرّاء ثانيًا.

الحقيقة أنني لا أميل إلى حصر نفسي في قالبٍ واحد، لأني أرى أن الطريق الواحد والنمط المحدّد يقيدان الخيال ويختزلان التجربة... ربما يرى البعض في هذا التنوع ميزةً، وربما يعتبره آخرون تحدّيًا، لكنني أؤمن أن التجدد والتجريب والتنوّع – في الأدب كما في الحياة – هي مفاتيح النمو والتطور والنجاح.

➖ في مجموعتيك «جيمس بوند المصري» و«شارلوك هولمز مصر» كيف ظهر ميلك الأدبي نحو الأدب البوليسي؟ وهل من الممكن إعادة التجربة في شكل سلاسل من شخصيات أخرى؟

✍🏻 ظهر ميلي نحو الأدب البوليسي منذ بداياتي الكتابية، من خلال مزج الغموض والتشويق مع الثقافة المصرية المعاصرة في هاتين المجموعتين، فلقد سعيت لإعادة تصوير شخصيات عالمية مثل جيمس بوند وشارلوك هولمز في سياق المجتمع المصري، مع المحافظة على سماتهم المميزة، مع إضافة تفاصيل وشخصيات محلية تجعل القارئ يتعرف على بيئته وأحداثه اليومية من خلال منظور بوليسي مشوق.

أما عن إمكانية إعادة التجربة، فأرى أن تحويل هذه الفكرة إلى سلاسل مستمرة من شخصيات أخرى ليس فقط ممكنًا، بل جائز جدًا، إذ يمنحني مساحة للإبداع والتجديد، ويتيح للقراء متابعة مغامرات جديدة بشغف، مع الاستمرار في استكشاف الغموض والأثر النفسي للأحداث في سياقات مختلفة... كل هذه الاشياء تجعل المسيرة الأدبية أكثر ثراءً وتنوعًا.

➖ قدّمت الفانتازيا بأشكالها المختلفة في بعض أعمالك مثل «آه يا زين»... ماذا تمثل لك هذه النوعية الأدبية؟

✍🏻 الفانتازيا بالنسبة لي ليست مجرد خيال بعيد عن الواقع، بل طريقة لرؤية العالم من زوايا غير مألوفة ومنظور مختلف يثري الحبكة ويحرّر الإبداع، فالتفكير غير المنطقي والنظر إلى الأمور بأسلوب مبتكر يسمح للشخصيات والمواقف بتجاوز الحدود التقليدية، وهو ما أكده علماء كبار مثل ألبرت أينشتاين، الذي رأى أن الخيال أهم من المنطق في ابتكاراته.

لقد كتبت الفانتازيا الإنسانية في أعمال مثل «آه يا زين» و«سعيد الآخر» و«الوحيد والفريد» بينما تناولت الفانتازيا الخارقة للطبيعة في قصص قصيرة مثل «رحلة الممر»، «الصراع مستمر»، و«أيام أحمس»... هذا القالب الأدبي المميز يسمح للمؤلف ببناء شخصيات وتجارب متنوعة، واستكشاف عوالم غير مألوفة تضيف عمقًا وثراءً للحبكة، وتمنح القارئ تجربة مغايرة ومُثيرة تتخطى حدود المألوف.

➖ وماذا عن كتابك «تاريخ غير قابل للكسر» واهتمامك بالأدب التاريخي؟

✍🏻 حبّ التاريخ وفهم أعماقه كانا الدافع الأساسي وراء دخولي إلى عالم الأدب التاريخي، الذي أجد فيه متعة فكرية خاصة وتحديًا معرفيًا يثري الكاتب والقارئ معًا... ربما يعود هذا الشغف إلى خلفيتي الدراسية ومجال عَملي الأول الذي أعتز به كثيرًا كمرشد سياحي، إذ منحني ذلك احتكاكًا مباشرًا بالتاريخ المصري والعالمي، ومعايشةً حقيقيةً لتفاصيله... هذا النوع من الكتابة يتطلب من الكاتب الصدق والحيادية التامة، والدقة في استقاء المصادر، حتى يقدّم سردًا موثوقًا، بعيدًا عن تحريفات أفراح المنتصرين وضحيج بكاء المهزومين.


في كتابي «تاريخ غير قابل للكسر» سعيت إلى إعادة بناء الكتابة التاريخية بروح الباحث، لا بروح المؤرخ الجامد، لأقدّم للقارئ رؤية متكاملة تعيد للتاريخ إنسانيته، وللحدث معناه الحقيقي كما وقع بالفعل، وقد حظي هذا العمل بتفاعل واسع من القرّاء، وهو ما شجّعني على كتابة الجزء الثاني المنتظر صدوره قريبًا، والذي أتوقع أن يضيف مزيدًا من التفاصيل والقصص الهامة، ويمنح القارئ رؤية أعمق وأوضح لشخصيات وأحداث محورية في التاريخ الإنساني.

➖ وماذا عن تجربتك في الأدب الرومانسي التي تجلّت في مجموعتك «ابنة رئيس»؟ كيف قدّمت من خلالها رؤيتك الخاصة لهذا القالب الأدبي المميز؟

✍🏻 «ابنة رئيس» تمثّل تجربتي الخاصة في الأدب الرومانسي، حيث رحزت فيها على العاطفة والتجربة الإنسانية بوصفهما المرجع الأصدق لفهم الإنسان، بعيدًا عن هيمنة العقل البحت... هذا النوع من الأدب يمنح الكاتب حرية استكشاف صراعات القلب والوجدان، وإبراز عمق المشاعر الإنسانية في مواجهة تقلبات الحياة.

وعالميًا، لطالما كان للرومانسية فرسانها الحقيقيون مثل وليم شكسبير وجان جاك روسو وفيكتور هوغو، أما في الأدب المصري، فلا يمكن تجاوز اسم يوسف السباعي، فارس الرومانسية الأول، بما حملته أعماله من حسّ إنساني رقيق في «رد قلبي» و«الحب الخالد».

في «ابنة رئيس»، سعيت لأن يعيش القارئ التجربة العاطفية للشخصيات بكل ما فيها من حبٍّ وصراعٍ وتضحية، ليصبح جزءًا من عالمهم الداخلي، يشعر بآلامهم وآمالهم، ويتأمل معنى الحب كقيمة إنسانية تتجاوز الزمان والمكان.

➖ كيف تجسّدت الواقعية الاجتماعية في مجموعتك القصصية «سبت يوليو الماضي»؟

✍🏻 «سبت يوليو الماضي» تمثّل تجربة مختلفة في تناول الواقع الاجتماعي، إذ حاولت من خلالها أن أقدّم مشهد الحياة اليومية كما هو، بلا تزيين أو مبالغة، بل بصدق يلتقط التفاصيل الصغيرة التي تصنع ملامح الإنسان وعلاقته بالآخرين... ركّزت في هذه المجموعة على الصراعات التي يعيشها الناس في صمت، وكيف تتقاطع الظروف الاجتماعية مع مشاعرهم، فتُشكّل لحظاتهم الإنسانية في الفرح والحزن معًا.

وحرصت في هذه المجموعة أن يكون السرد بسيطًا وواضحًا، بعيدًا عن التكلّف اللغوي أو الزخارف الأسلوبية، ليقرأ القارئ القصص بانسيابية ويشعر أنه أحد أبطالها... أردت أن يجد القارئ نفسه في الحكاية، يرى الواقع كما هو، ويعيش التجربة بصدق وتأثّر.

➖ نبارك لك توقيع عقد روايتك الجديدة «مذكرات توأم»... هل يمكن أن تحدثنا عنها؟

✍🏻 أشكرك جزيل الشكر… بالفعل، وقّعت عقد روايتي الجديدة «مذكّرات توأم» مع السيدة الفاضلة مها المقداد، مدير دار النشر المصرية السودانية الإماراتية، ومن المقرر أن يكون عرضها الأول في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026.

تتناول الرواية مجموعة من القضايا الاجتماعية والإنسانية المعقّدة، مثل الحب الممنوع، الفقد، الذاكرة، التبنّي، والانتماء، وتدور حول سؤال محوري: كيف يعيش الإنسان حين يُسلَب ماضيه؟ وهل تستطيع الذاكرة أن تغفر للنسيان؟

يخوض القارئ في هذا العمل رحلة وجدانية عميقة، تتقاطع فيها خيوط الواقع والذاكرة، والحب والقدر، لتطرح الرواية تأملاتٍ حول الهوية والوجود والمعنى الحقيقي للانتماء؛ ففي «مذكّرات توأم»، تكون الأسئلة أكثر من الإجابات، لأنني أؤمن أن جوهر الأدب لا يكمن في تقديم الحلول، بل في إشراك القارئ في رحلة التأمل والاكتشاف.

➖ كيف ترى مستقبل الأدب المصري وقدرته على الوصول إلى القارئ العربي والدولي؟

✍🏻 مستقبل الأدب المصري واعد بلا شك، فهو يمتلك عمق التجربة وثراء الثقافة اللذين يتيحان له مخاطبة القارئ العربي والدولي على حدٍّ سواء... مصر تزخر بالمواهب التي تجعل أدبها قادرًا على نقل خصوصية المجتمع وتجربته الإنسانية، وفي الوقت نفسه طرح قضايا كونية تتجاوز الحدود... في رأيي، الأدب ليس سردًا فحسب، بل أداة لفهم الإنسان والآخر، وجسر يربط بين الثقافات، ليجعل القارئ — أينما كان — جزءًا من التجربة، يعيشها بصدقٍ ويتأثّر بها بعمق.

في الختام، ومن خلال هذه الرحلة الممتدة بين عوالم الأدب المتعددة، يتجلّى بوضوح أن محمد أبوالخير ستو كاتبٌ متعدد المواهب، راوٍ ماهر، وقاصّ مميّز، ومؤرخ صادق، استطاع أن يمزج أعماله الأدبية المتنوعة في لوحة متكاملة تنسج التجربة الإنسانية بكل أبعادها النفسية والاجتماعية والثقافية... في كتاباته، لا يكتفي القارئ بمتعة القراءة، بل يعيش التجربة ويتأملها، إذ تتحول الصفحات إلى رحلة في عمق الذات والواقع معًا، تبقى بصداها في الوجدان طويلًا بعد إغلاق الكتاب.

وهكذا يبرهن "ستو" أن الأدب المصري ما زال قادرًا على التجدد والتأثير، وأنه يظل جزءًا أصيلًا من الحوار الإنساني العالمي، يسهم في ربط الثقافات وإثراء التجربة الإنسانية بصدقٍ ووعيٍ وإبداع.

أحدث أقدم
صدى البلد نيوز
صدى البلد نيوز