منى فتحي.. قلبٌ يُداوي وأصابع تُبدع
التمريض... رسالة لا وظيفة
رغم تخرجها في معهد السياحة والفنادق، اختارت أن تُكرّس حياتها لخدمة الإنسان في أكثر لحظاته هشاشة. تعمل منى في رعاية كبار السن والحالات الحرجة، وهناك، حيث يكون الألم سيد الموقف، تكون هي الحضور الطيب، واليد التي تُمسك حين ترتجف القلوب.
"منذ اللحظة الأولى، أدركت أنني لا أمارس وظيفة عادية، بل أحمل على عاتقي مسؤولية إنسانية عظيمة. التمريض لا يتطلب فقط العلم، بل قلبًا قادرًا على الاحتواء، وصبرًا لا ينفد، وحبًا حقيقيًا للحياة."
في عيون مرضاها، لم تكن فقط ممرضة؛ كانت ابنةً بديلة، وأختًا رحيمة، وأملًا يسير على قدمين.
الكتابة... البلسم الذي لم يُكتب في وصفة
لكن حين يهدأ كل شيء، وتبدأ معارك الداخل، كانت منى تلوذ بمكانها السري: الكتابة. هناك، في عزلة الورق والحبر، كانت تجد خلاصها.
"في كل مرة عصفت بي الوحدة أو داهمني الألم، كنت أعود إلى الورق كمن يعود إلى حضن يفهمه دون أن يسأل. بين نداء القلب في مهنتي، وهمس الروح في كتاباتي... أعيش."
بالنسبة لها، الكتابة ليست وسيلة للفضفضة فقط، بل طقس مقدس للترميم الداخلي. تكتب كما تُمارس التمريض: بحب، وصدق، وشغف لا ينطفئ.
أعمالها الأدبية: الواقع بنكهة الحنين والجرح
رواية "حبيبتي بنكهة الأقحوان" – 2023
صدرت عن دار مُلهم للنشر والتوزيع، وحققت نجاحًا ملحوظًا بوصولها إلى الطبعة الثالثة. تدور الرواية حول فتاة شابة تواجه تحديات قاسية، وتعيش حالة من الصراع الداخلي بين مشاعر الحب والخذلان. تحمل الرواية لغة عذبة ورسالة إنسانية مؤثرة، وتمكنت من ملامسة قلوب القراء لما فيها من صدق وتجربة.
رواية "بقايا الأقحوان" – 2024
الجزء الثاني من الرواية السابقة، وتُكمل فيها منى رحلة بطلتها التي تحاول أن تستعيد ذاتها من قيود الماضي. تسلط الرواية الضوء على التحرر النفسي والعاطفي، وعلى الفرق بين التعلق والحب الحقيقي. بأسلوب ناضج وعميق، تكشف منى كيف يمكن للخذلان أن يكون بداية لا نهاية.
رواية "الرجل الذي قتلني" – 2024
صادرة عن دار إبهار للنشر والتوزيع، وتُعد منى من خلالها تجربة جريئة تطرق أبواب القضايا النفسية والاجتماعية المعقدة. بطلتها تُغتصب على يد أقرب الأقربين، وتسلك طريق الانتقام بطريقة ذكية لا تترك أثرًا. الرواية تمزج بين السرد الفصيح والحوار العامي، وتطرح تساؤلات عميقة حول الخير والشر، والعدالة، والضعف الإنساني.
"يا قلبي لا تحزن" – مجموعة قصصية
صادرة عن دار تنوين للنشر والتوزيع، وتضم القصة الفائزة بجائزة الأديب الأقرب إحسان عبد القدوس. تعالج هذه المجموعة قضايا المجتمع المصري، من البطالة، إلى تراجع القيم، إلى محاولات التغيير والانفتاح. بأسلوب حيوي وإنساني، تسرد منى قصصًا قصيرة لكنها مشحونة بالواقع والصدق.
مشروعها الثقافي: بودكاست "قعدة مثقفين"
ولأن الكلمة لا تموت، قررت منى فتحي أن تُطلق مشروعها الثقافي الأهم: بودكاست "قعدة مثقفين"، من إنتاجها الشخصي. في هذه المساحة، لا تكتفي بتقديم محتوى ثقافي تقليدي، بل تُبحر مع ضيوفها إلى أعماق النصوص، وتفتح نوافذ على الإبداع، وتعيد تقديم الكُتّاب لا كأسماء على أغلفة، بل كأرواح تتنفس ما تكتبه.
البودكاست لا يقتصر على استضافة الأسماء اللامعة، بل يفتح أبوابه للمواهب الصاعدة، إيمانًا منها أن الإبداع لا يُقاس بالشهرة، بل بالصدق، وأن كل صوت يحمل فكرة حقيقية يستحق أن يُسمع.
إهداء خاص... خلف كل حلم دعم لا يُنسى
لا يمكن الحديث عن هذا المشروع الثقافي دون الوقوف عند من كان لهم الفضل في ظهوره. تُهدي منى فتحي امتنانها الأكبر للكاتب الدكتور عمرو البدالي، الذي كان قدوتها ومصدر إلهامها الإنساني، ولولا ثقته بها ودعمه المتواصل، لما وُجد هذا البودكاست من الأساس.
كما لا تنسى فضل المذيع ومهندس الصوت أحمد سامي، الذي فتح لها باب عالم المونتاج والصوتيات، ورافقها في الرحلة من بدايتها، مؤمنًا بموهبتها، حتى أتقنت أدواتها.
منى فتحي، بين نبضٍ تُنقذ به الحياة، وحبرٍ تُرمم به الذات، لا تُشبه أحدًا. هي مشروع إنساني متكامل، تسير بخطى هادئة لكن واثقة، في زمن يمضي سريعًا دون أن يُصغي... وهي، بصمتها، تُعلِّمنا كيف يكون للبطء معنى، وللصدق قيمة، وللإبداع أثر لا يُنسى.