ياسر راضي قاسم… عالم اثار ومُعلم أجيال و”بطل خفي” من قلب أويش الحجر
في زمنٍ قلّ فيه من يستحق أن يُكتب عنه، يخرج من أعماق الريف المصري، من قرية أويش الحجر بمركز المنصورة، اسمٌ يلمع في سماء العلم والخير والرياضة معًا، وكأنه مزيج نادر من العقول العظيمة والقلوب النقية والروح القتالية… إنه الدكتور ياسر راضي قاسم، ابن الأرض الطيبة، والوجه المُشرف لكل من عرفه، أو سمع عنه، أو تتبع خطواته.
ابن الأستاذ راضي قاسم، أحد أعلام قريته، نشأ في بيتٍ يقدّس الأخلاق، ويصنع من الصبر رجولة، ومن العلم سلاحًا. منذ نعومة أظافره، كانت عينه لا تنظر تحت قدميه، بل تتطلع بعيدًا… نحو الحضارة، نحو البرديات، نحو الأسرار التي خبأها الفراعنة في رموزهم. التحق بكلية الآداب بجامعة المنصورة، وقرر أن يتخصص في الخط الهيراطيقي، أقدم لغات المصريين، وأصعبها فكًا وتحليلاً، ليغوص في أعماق التاريخ ويعود إلينا كل مرة بحقيقة جديدة، واكتشاف لم يسبقه إليه أحد.
ولم يخيّب الظن. ففي رسالة الماجستير، قدّم الدكتور ياسر دراسة فريدة تُعد من أوائل ما كُتب عن برديات “رولين الحسابية” المحفوظة في المكتبة الوطنية بباريس. برديات ظلّت حبيسة الرفوف لأعوام طويلة، حتى جاء هذا الباحث المصري الشاب ليفك رموزها، ويُعيد للعالم دهشته من عبقرية المصري القديم في الرياضيات والحساب.
لكن هذه كانت فقط البداية…
اليوم، يستعد الدكتور ياسر لمناقشة رسالة الدكتوراه في جامعة طنطا، والتي تدور حول بردية أثرية نادرة تخص شخصية مصرية قديمة تُدعى “حور ودجا”، وهي محفوظة داخل المتحف البريطاني في لندن. المفاجأة؟ أن هذه البردية لم تُترجم من قبل، وأن الدكتور ياسر هو أول من نجح في فك رموزها بالكامل، ليفتح بابًا جديدًا لفهم مرحلة مجهولة من تاريخ مصر القديم، ويُضيف اسمه إلى قائمة المترجمين الأوائل في علم البرديات على مستوى العالم.
وبين الكتب والبرديات، لم ينسَ الدكتور ياسر نفسه ولا مجتمعه. حصل على دبلومة تربوية من كلية التربية – جامعة المنصورة، وعمل في أرقى المدارس الدولية للغات مثل جلوري الدولية والصفوة الدولية، حيث لقّبه طلابه بـ”القوي الهادئ”… قوي في المعلومة، هادئ في الأسلوب، حازم في الفصل، أبويّ في الموقف.
ولم يكتفِ بالتدريس داخل المدرسة، بل أسس سنترًا تعليميًا خاصًا، لم يكن مجرد مكان للدروس، بل أصبح منارة خير، حيث يُعفي الطلاب غير القادرين من الدفع، دون أن يطلبوا… فقط لأن “العلم لا يُمنع عن أحد”، كما يقول دائمًا. هذا الجانب الإنساني في شخصيته هو ما يجعله محبوبًا بصدق، ومُحترمًا بإجماع.
أما عن حياته الرياضية، فهي رواية أخرى. لم يكن فقط لاعب كرة مميز ضمن صفوف نادي المنصورة، السنبلاوين، والعمال، بل أيضًا سبّاح قوي، وملاكم سابق، خاض بطولات محلية، وعُرف بانضباطه ولياقته، وروحه القتالية داخل الحلبة كما هي داخل الحياة. لم يكن يُهزم بسهولة، لا في الرياضة، ولا في العلم، ولا في المبادئ.
الدكتور ياسر راضي قاسم هو تلك المعادلة النادرة التي يصعب تكرارها… عالم آثار، ومُعلّم رسالي، ورياضي ملتزم، وإنسان يحمل الخير في قلبه كما يحمل العلم في عقله.
من قرية أويش الحجر الصغيرة، إلى أرفف المكتبة الوطنية في باريس، وقاعات المتحف البريطاني في لندن… هذه قصة ابن مصر الذي لم ينتظر الأضواء، بل أصبح هو الضوء ذاته